الفارق الجوهري بين المؤسسة البشرية والكنيسة كمركز للحياة التعبدية الحقة المرتكزة على اللاهوت الاختباري، مع توضيح كيف أن السمات التي تعتبر طبيعية ومطلوبة في أي مؤسسة، إذا استُنسخت داخل الكنيسة بدون روح الحياة في المسيح، تتحول إلى عوامل قد تضعف هويتها ورسالتها.
فروقات أساسية
1. الهياكل الإدارية الصارمة
في أي مؤسسة بشرية، تُعتبر البنية الإدارية الواضحة ضرورة لتوزيع السلطات وضبط الصلاحيات وتحديد المسؤوليات. فهي تمنع الفوضى وتضمن سير العمل وفق معايير محددة. لكن في الكنيسة، إذا تحولت الإدارة إلى مركز الثقل، تصبح الرعاية مجرد تنظيم ملفات، والخدمة تتحول إلى إدارة موظفين، ويغيب الدفء الأبوي الذي يميز الكنيسة كبيت روحي، ليحل محله التعامل الرسمي الجاف.
2. اللوائح والأنظمة الجامدة
في عالم الشركات، اللوائح الصارمة تضمن العدالة وتوفر مرجعية قانونية لكل إجراء. لكن في الكنيسة، إذا أصبحت هذه اللوائح هي المعيار الأوحد، وحلّت محل التمييز الروحي والإرشاد الأبوي، يتحول التعامل مع النفوس إلى تعامل مع "ملفات" أو "قضايا"، ويختفي جوهر الرحمة الإنجيلية التي بها وحدها يتغير الإنسان من الداخل.
3. التقييم بالأرقام والمؤشرات
في بيئة الأعمال، الأرقام هي لغة النجاح: كم مشروع أُنجز؟ كم صفقة أُبرمت؟ كم عميل جديد؟ لكن في الكنيسة، التركيز على أعداد الأنشطة أو عدد الحاضرين قد يغطي على حقيقة خطيرة: أن الحضور الروحي ضعيف، وأن النفوس ليست بالضرورة تنمو في معرفة المسيح. حين يصبح "ملء الجداول" أهم من "ملء القلوب"، تفقد الخدمة هدفها.
4. الهرمية السلطوية المغلقة
في المؤسسات، الهرمية تحفظ النظام وتمنع الفوضى عبر تحديد مستويات السلطة. أما في الكنيسة، فإن القطيعة بين القيادة والشعب، وإغلاق قنوات الحوار، يحول الرعاية إلى سلطة آمرة، ويجعل التعليم أو القرارات تُفرض فرضًا بدل أن تُقدَّم بروح القدوة والخدمة، فتضعف العلاقة الحية بين الراعي والرعية.
5. الانشغال بالصورة والسمعة الخارجية
في السوق، السمعة القوية والصورة المبهرة أمران أساسيان لجذب العملاء وكسب الثقة. لكن في الكنيسة، الانشغال المفرط بالمظهر الخارجي قد يقود إلى إخفاء المشاكل الروحية أو التجميل الزائف للواقع. وعندما تُقدَّم صورة مثالية لا تعكس الحقيقة، يفقد الناس الثقة، ويشعرون بانفصال بين ما يُعلن وما يُعاش.
6. الاعتماد الكامل على التخطيط البشري
المؤسسات تزدهر بالتخطيط المدروس المبني على الإحصائيات والتحليلات. لكن الكنيسة، إذا أُديرت بنفس المنطق دون اتكال على قيادة الروح القدس، تتحول برامجها وخططها إلى جداول أنشطة بلا حياة. قد يبدو الشكل منظمًا وجذابًا، لكن غياب النفس السماوي يجعل الخدمة بلا قوة حقيقية للتغيير.
7. مقاومة التغيير خوفًا على الاستقرار
في عالم الأعمال، مقاومة التغيير أحيانًا تحمي المؤسسة من خسائر أو من زعزعة مكانتها. لكن في الكنيسة، الجمود يعني مقاومة التجديد الذي يدعو إليه الروح القدس باستمرار. الكنيسة الحية لا تتجمد عند شكل أو نمط، بل تعود دائمًا إلى نقاوة الإنجيل وتسمح لعمل الله أن ينعشها.
النتيجة الحتمية إذا غاب الجوهر
عندما تُستنسخ هذه السمات من عالم المؤسسات إلى الكنيسة بدون أن تُخضع لحياة اللاهوت الاختباري، يحدث تحول خطير:
- الروحانية تتحول إلى طقوس روتينية.
- التعليم يتحول إلى معلومات نظرية.
- الخدمة تتحول إلى إدارة.
- الحضور الإلهي يبهت تدريجيًا.
ومع الوقت، يجد بعض الأفراد أنفسهم في صراع مع هذا النظام الجاف، فيتخذون أسلوب التشهير أو الازدراء كنوع من المقاومة — حتى وإن كانت هذه الطرق غير مبررة — لأن البيئة صارت خصبة لاستمرار التشوهات الروحية.
الكنيسة: أيقونة الملكوت لا نسخة من البيروقراطية
الكنيسة لم تُوجد لتكون نسخة محسّنة من مؤسسة بشرية. الكنيسة جسد المسيح، بيت الأسرار، مركز الحياة التعبدية التي تغيّر الإنسان من الداخل. وجود نظام أو تنظيم في الكنيسة ليس خطأً في حد ذاته، لكنه يصبح خطرًا قاتلًا إذا انفصل عن جوهر الدعوة: الاتحاد بالمسيح وحياة الشركة الحية معه.


