تحوّل الكنيسة من كونها صورة ملكوت الله الحي على الأرض إلى مجرد مؤسسة بشرية يجعلها عرضة للصراعات والانقسامات وأجواء المنافسة، بدل أن تكون مركز التقاء الإنسان بالله على أساس اختبار لاهوتي حقيقي حي ومعاش.
1. الكنيسة بين الصورة الإلهية والمفهوم البشري
الكنيسة بحسب الإيمان المسيحي الأصيل ليست مجرد كيان ديني تنظيمي، بل هي صورة حيّة لملكوت الله على الأرض، حيث يلتقي الإنسان بالله في شركة مقدسة قائمة على الإيمان الحي والاختبار الروحي الحقيقي.
لكن حين تتحول الكنيسة في الوعي والممارسة إلى مجرد "مؤسسة" كباقي المؤسسات البشرية، فإنها تفقد جوهر رسالتها، ويبدأ خطر الانحراف عن الهدف الإلهي في الظهور.
2. التحول المؤسسي لجوهر الكيان الكنسي: بداية الانحراف عن الهدف الإلهي
عندما تُدار الكنيسة بعقلية بيروقراطية أو بمنطق المصالح البشرية، تصبح القرارات موجهة نحو الحفاظ على البنية الإدارية لا نحو تحقيق الرسالة الروحية.
هذا التحول يفتح الباب أمام أجواء المنافسة والسيطرة، ويخلق بيئة تسمح بتسلل الانقسامات بدل الاتحاد.
3. الصراعات والانقسامات: ثمار طبيعية للعقلية المؤسسية
عقلية المؤسسة تُدخل الكنيسة في منطق بشري قائم على:
- التنافس على المناصب والمراكز بدل الخدمة الحقيقية.
- الصراعات الشخصية بدل المحبة الأخوية.
- التحزبات والانقسامات بدل الوحدة في المسيح.
هذه السمات تؤدي مع الوقت إلى صدامات حادة قد تتطور إلى انقسامات كبيرة تشبه الانقسامات التاريخية التي جَرحت جسد الكنيسة.
4. غياب الاختبار اللاهوتي الحي: فقدان الجوهر الروحي
الكنيسة في أصلها تقوم على الخبرة اللاهوتية الحيّة، أي أن المؤمن يعيش حضور الله بشكل شخصي وجماعي، ويتذوق عربون الملكوت من خلال الأسرار المقدسة والشركة الروحية.
لكن عند تحوّلها إلى مؤسسة، يتحول الإيمان إلى قوانين ولوائح جافة، وتختفي حرارة الروح، فيصبح العمل الكنسي مجرد نشاط تنظيمي بلا قوة روحية.
5. الأثر على رسالة الكنيسة في العالم
عندما تسود الروح المؤسسية، تفقد الكنيسة قدرتها على أن تكون نورًا للعالم وملحًا للأرض، إذ ينشغل قادتها وأعضاؤها بالصراعات الداخلية، وتنحسر الشهادة المسيحية أمام العالم.
هذا لا يضر فقط بالجماعة المؤمنة، بل يُضعف صورة المسيحية ذاتها أمام غير المؤمنين.
6. العودة إلى الجذور: استعادة صورة الملكوت
الحل ليس في رفض التنظيم أو الإدارة، بل في إعادة توجيههما لخدمة الرسالة الإلهية، بحيث تبقى الكنيسة جسد المسيح الحي، مركز لقاء الإنسان بالله، ومكان اختبار الشركة الروحية الحقيقية.
هذا يتطلب:
- التركيز على التعليم الروحي العميق.
- تعزيز المحبة والوحدة بين الأعضاء.
- مواجهة أي مظهر من مظاهر التحزّب أو الانقسام بحزم روحي.
7. دعوة للتجديد الروحي
تحوّل الكنيسة إلى مؤسسة بشرية يُعد من أخطر ما يمكن أن يهدد كيانها الروحي ووحدتها. وهذا له عدة شواهد في كل الكنائس في كثير من الدول، بشكل شديد الوضوح
إن الحفاظ على صورتها كملكوت الله على الأرض ليس خيارًا بل ضرورة وجودية، لأن الكنيسة ليست مجرد منظمة، بل هي أيقونة حيّة للحياة الأبدية، ومكان الشركة الحقيقية بين الله والإنسان.
كل فرد في الكنيسة مدعو للحفاظ على وحدتها ورسالتها. فالكنيسة ليست مجرد مبنى أو إدارة، بل حضور إلهي حي وسط العالم. إن فقدت هذا الحضور، تحولت إلى مؤسسة كغيرها، وفقدت معناها وسبب وجودها.


